حين يصبح الإضراب لغة حقوقية.. تدهور صحي يصيب الناشطة هبة مريسي ورفاقها في بريطانيا
حين يصبح الإضراب لغة حقوقية.. تدهور صحي يصيب الناشطة هبة مريسي ورفاقها في بريطانيا
في غرفة بأحد مستشفيات بريطانيا، ترقد الناشطة في حركة "فلسطين أكشن" هبة مريسي وقد أنهك جسدها إضراب طويل عن الطعام تجاوز 50 يوما، في مشهد يعيد إلى الواجهة أسئلة قديمة جديدة حول العدالة، وحقوق المعتقلين، وحدود الاحتجاج السلمي وحرية التعبير داخل أنظمة قانونية توصف بالعريقة، ولم تدخل هبة، البالغة من العمر 31 عاما، المستشفى بحثا عن علاج طوعي، بل نتيجة تدهور صحي حاد فرضه إضراب مفتوح تخوضه وهي رهن الاحتجاز، في انتظار محاكمة لم تبدأ بعد.
لم يكن الإضراب بالنسبة لها خيارا عابرا أو وسيلة ضغط مؤقتة، بل تحولا إلى معركة وجودية، تستخدم فيها جسدها كآخر ما تملك من أدوات الاحتجاج، في ظل شعورها بأن صوتها لا يُسمع داخل جدران السجن وفق صحيفة ميترو البريطانية.
أيام الإضراب الثقيلة
بحسب ما أوردته الصحيفة البريطانية، تعد هبة مريسي أطول المضربين عن الطعام بين ثمانية معتقلين من نشطاء حركة "فلسطين أكشن"، إذ دخلت يومها 53 دون تناول الطعام، ويواصل أربعة من المعتقلين الآخرين الإضراب ذاته، في واحدة من أطول وأخطر موجات الإضراب داخل السجون البريطانية منذ عقود.
يقول مقربون من القضية إن كل يوم يمر يضاعف المخاوف من مضاعفات صحية لا يمكن تداركها، مع تحذيرات طبية من احتمالات فقدان الوعي، فشل الأعضاء، أو حتى الوفاة، ورغم ذلك، تصر مريسي على المضي قدما، مؤكدة أنها لن تساوم حتى تتحقق مطالبها كاملة.
من زنزانة إلى مستشفى
تحتجز هبة مريسي في سجن نيو هول بغرب يوركشاير، حيث بدأت معاناتها الصحية تتفاقم بشكل لافت، وتعرضت لنقل قسري داخل السجن إلى جناح صاخب، عقب وقفة احتجاجية نُظمت خارج أسواره تضامنا معها ومع رفاقها، ما تسبب لها باضطرابات حادة في النوم وضغط نفسي شديد.
تعاني مريسي من إرهاق دائم، ودوار متكرر، وآلام عامة في الجسد، وغثيان مستمر، إضافة إلى آلام في الصدر، وأظهرت الفحوصات انخفاضا مقلقا في عدد خلايا الدم البيضاء، ما استدعى نقلها مؤقتا إلى المستشفى لمراقبة حالتها الصحية عن كثب.
ملف قضائي معلق
تنتظر هبة مريسي المحاكمة على خلفية اتهامات تتعلق بالمشاركة في اقتحام منشأة أبحاث وتطوير تابعة لشركة إلبيت سيستمز، الذراع البريطانية لشركة دفاع إسرائيلية، في منطقة فيلتون قرب مدينة بريستول، وتعود القضية إلى عملية نفذتها "فلسطين أكشن"، التي تنشط في استهداف شركات ومواقع مرتبطة بالصناعة العسكرية الإسرائيلية.
واعتقلت مريسي خلال مداهمة فجرا بتاريخ 19 نوفمبر من العام الماضي، لتدخل بعدها في مسار قانوني طويل، ما زال معلقا دون حسم، الأمر الذي يثير انتقادات حقوقية بشأن طول فترة التوقيف الاحتياطي.
إضراب جماعي ورسالة واحدة
لا تخوض هبة مريسي إضرابها وحدها، يشاركها الإضراب كل من تويتا هوكشا، وكمران أحمد، وليوي كيارياميلو، فيما علّق أربعة آخرون مشاركتهم مؤقتا لأسباب صحية، ويُعتقد أن هذا الإضراب هو الأكبر داخل السجون البريطانية منذ عام 1981، حين شهدت أيرلندا الشمالية إضرابا تاريخيا انتهى بوفاة 10 سجناء، من بينهم بوبي ساندز.
هذا البعد التاريخي يمنح الإضراب الحالي رمزية إضافية، ويضع السلطات البريطانية تحت ضغط أخلاقي وإعلامي متزايد، خصوصا مع تصاعد التحذيرات من تكرار سيناريوهات مأساوية.
مطالب تتجاوز الزنازين
تتركز مطالب المضربين على عدة محاور، أبرزها إنهاء الرقابة المشددة على الاتصالات والمراسلات داخل السجون، والإفراج عنهم بكفالة إلى حين بدء محاكماتهم، وضمان محاكمة عادلة وعلنية، كما يطالبون برفع الحظر المفروض على حركة "فلسطين أكشن" وإغلاق شركة إلبيت سيستمز، التي يعتبرونها شريكا في انتهاكات حقوق الإنسان.
وتؤكد هبة مريسي في بيان سابق أن إضرابها لا يتعلق بالرغبة في الموت، بل ينبع من حب عميق للحياة وللناس، معتبرة أن هذا الحب هو ما أبقاها محتجزة لما يقارب 349 يوما دون إدانة قضائية.
العائلة تحت الضغط
بعيدا عن جدران السجن، تعيش عائلات المضربين حالة قلق دائم. وأشارت شقيقة كمران أحمد إلى أن شقيقها تعرض لتكبيل مزدوج ومعاملة مهينة أثناء توقيفه، وهو الآن في اليوم 46 من الإضراب عن الطعام. وتؤكد العائلات أن ما يمر به أبناؤهم يترك آثارا نفسية عميقة لا تقل خطورة عن الأضرار الجسدية.
وتضيف مجموعات حقوقية أن نقل مريسي من سجن برونزفيلد إلى نيو هول تم في سرية تامة، ما أدى إلى عزلها عن عائلتها وشبكة دعمها، وزاد من شعورها بالوحدة والضغط النفسي.
موقف السلطات والرعاية الصحية
من جهتها، أوضحت المجموعة المسؤولة عن تقديم الرعاية الصحية في سجن نيو هول نيابة عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن التعامل مع حالات الإضراب عن الطعام يتم وفقا لبروتوكولات وسياسات واضحة، وبالتنسيق مع إدارة السجن.
وأكدت الحكومة البريطانية عدم وجود أدلة على أن ضباط السجن أعاقوا وصول الرعاية الصحية إلى المضربين، مشددة على أن الفرق الطبية تراقب أوضاعهم بشكل مستمر، كما قال وزير الدولة للسجون، اللورد تيمبسون، إن التدخل الوزاري في القضايا القضائية الجارية يعد غير دستوري وغير مناسب، معتبرا أن الإضرابات عن الطعام ليست ظاهرة جديدة داخل السجون البريطانية.
تعود حركة "فلسطين أكشن" إلى عام 2020، وهي شبكة من النشطاء الذين ينفذون احتجاجات مباشرة ضد شركات ومواقع مرتبطة بالصناعة العسكرية الإسرائيلية في بريطانيا، وتواجه الحركة منذ سنوات ضغوطا قانونية متزايدة، شملت ملاحقات قضائية وقيودا على أنشطتها، في المقابل، يشهد نظام العدالة البريطاني نقاشا متجددا حول طول فترات التوقيف الاحتياطي، وحقوق المعتقلين السياسيين، وحدود الاحتجاج السلمي.
ويعيد إضراب هبة مريسي ورفاقها إلى الواجهة أسئلة حساسة حول توازن الدولة بين الأمن، وسيادة القانون، والالتزام بحقوق الإنسان.










